البحث العلمي
مرحبا بك أخي الزائر في منتدى البحث العلمي
البحث العلمي
مرحبا بك أخي الزائر في منتدى البحث العلمي
البحث العلمي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البحث العلمي

منتدى يهتم بالبحوث والدراسات الجامعية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 جـــون لـــوك

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
وردة ســـــــASSIAـــوف

وردة ســـــــASSIAـــوف


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 25
تاريخ التسجيل : 12/02/2011

جـــون لـــوك Empty
مُساهمةموضوع: جـــون لـــوك   جـــون لـــوك I_icon_minitimeالجمعة مارس 04, 2011 9:15 am

جـــون لـــوك

أولاً - حياته وأعماله :

جون لوك فيلسوف تجريبى إنجليزى، وُلد سنة 1632 وتُوفى سنة 1704، وكانت هذه الفترة من أكثر عصور الإضطراب والفوضى التى شهدتها إنجلترا فى تاريخها. تعلم لوك فى مدرسة وستنمنستر ثم فى جامعة أكسفورد بكلية كنيسة المسيح. وكانت دراسته فيها تؤهله للعمل فى السلك الدينى، لكنه آثر دراسة الطب والعلوم التجريبية، ومارس مهنة الطب لدى بعض الأسر الأرستقراطية الإنجليزية، وكان يلقب بالدكتور لوك، حيث كان ماهراً كطبيب وأجرى عملية جراحية ناجحة لأنتونى آشلى كوبر سنة 1668، وهو أحد النبلاء، مما مكنه من أن يصبح سكرتيراً لكوبر فى الأمور السياسية والاجتماعية. ومكنه هذا المنصب من أن ينضم إلى الجمعية الملكية للعلوم. وهناك ازداد اهتمامه بالفلسفة وأسس نادياً من أصدقاءه ومعارفه لمناقشة القضايا الفلسفية والدينية. وعندما حصل كوبر على لقب لورد شافتسبرى وأصبح وزيراً للعدل ترقى معه لوك إلى منصب سكرتير هيئة التجارة، وفى سنة 1675 أكمل دراسته فى الطب وحصل على البكالوريوس. وقد طاف لوك بالعديد من الدول الأوروبية بحكم منصبه التجارى، فزار جنوب فرنسا وباريس بين عامى 1675 و1679، وتعرف هناك على الاتجاهات الفلسفية الأوروبية وخاصة فلسفة ديكارت وقرأ أهم مؤلفاته، وفى سنة 1683 زار هولندا وأقام بأمسترادم ثم روتردام سنة 1687( 1). وآخر المناصب التى تقلدها لوك كان مندوب الاستئناف، وهو منصب قضائى تأهل له بحكم منصبه التجارى السابق ومؤلفاته السياسية التى جذبت الانتباه.
ومن هنا نرى كيف أن خبرات لوك كانت متعددة للغاية، إذ بدأ بدراسة اللاهوت منذ صغره، وانتقل إلى دراسة الطب والعلوم التجريبية، ومنها إلى الفلسفة وأخيراً القانون والسياسة. وهذا هو السبب فى تعدد الموضوعات التى كتب فيها، إذ تغطى مؤلفاته الفلسفة: «مقال فى الفهم البشرى» (1690)، «رسالتان عن الحكومة المدنية» (1689)، «أفكار فى التربية» (1693)، «مقال فى التسامح» (1689 - 1692). كما أهلته دراسته للطب والعلوم التجريبية لأن يكون صاحب مذهب تجريبى فى الفلسفة.
وهكذا لم يكن لوك مقتصراً على الكتب والبحث النظرى فى الحصول على خبرته وأفكاره كمفكر، بل كان رجلاً عملياً إلى أقصى حد، أثرت رحلاته ومناصبه المختلفة التى تقلدها، من طبية إلى تجارية إلى قضائية فى فلسفته. وعلى الرغم من أن شئون الاقتصاد والسياسة كانت من صميم عمله، إلا أنها لم تمنعه من أن يصبح فيلسوفاً محترفاً. وقد اتصف لوك كفيلسوف بكل ما كان يتصف به المفكر فى ذلك العصر، إذ لم يكن كبار فلاسفة القرن السابع عشر منتمين إلى السلك الأكاديمى، فلم يتقلد لوك أى منصب جامعى ولم يُدِّرس فى أى جامعة(2 )، وكانت الفلسفة لديه هواية يمارسها فى أوقات فراغه من عمله الاقتصادى والسياسى والقضائى، لكنه رغماً عن ذلك أصبح من أشهر الفلاسفة الإنجليز، ويقدم لنا لوك مثالاً براقاً على فيلسوف محترف لم يتول تدريس الفلسفة فى الجامعة بل كانت الهواية التى تحولت بعد إتقانها إلى احتراف. وهذا هو ما يميز لوك وفلاسفة القرن السابع عشر، أما بعد عصر لوك ابتداءً من القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين فقد ظهر الفيلسوف المتخصص فى الفلسفة والمحترف المرتبط بالأكاديمية والذى
لا ينتج نسقاً فلسفياً إلا بالتفرغ التام لها، باستثناء ديفيد هيوم بالطبع الذى تتشابه سيرته الذاتية مع سيرة لوك، وبذلك رأينا فلاسفة ارتبطوا بالأكاديمية وكانت هدفهم الوحيد، مثل كريستيان فولف، وكانط، وهيجل، ومعظم فلاسفة القرن التاسع عشر والعشرين.
ظهرت فلسفة لوك فى عصر الحرب الأهلية الإنجليزية، بين الملك والبرلمان، وكان الملك يمثل الطبقة الأرستقراطية التى كانت تهدف المحافظة على مكتسباتها الوراثية ووضعها المتميز داخل المجتمع والدولة، والبرلمان يمثل البرجوازية الصاعدة، أى طبقة التجار ورجال المال والأعمال والصناعة. انتهت هذه الحرب بانتصار البرلمان، وبتقييد سلطات الملك حتى أصبح يملك وحسب ولا يحكم. وقد اتصف ذلك العصر بالاضطراب والفوضى فى كل النواحى الاجتماعية والثقافية والسياسية، وما يميز كل مرحلة انتقالية بين نظام قديم ونظام جديد. أراد لوك أن يحافظ على ثبات واستقرار المجتمع الإنجليزى، وأراد كذلك المحافظة على النتائج التى أسفرت عنها الثورة، أى الجمع بين النظام الملكى والنظام البرلمانى فى نفس الوقت(3 )، والمحافظة على التوازن بينهما، وبالتالى التوازن بين الأرستقراطية والبورجوازية.
ولذلك اشتهر لوك بنظريته السياسية التى تجمع فى نفس الوقت بين حق الملكية الذى يحافظ على الحقوق المتوارثة للأرستقراطية والحقوق المكتسبة حديثاً للبورجوازية، وبين مفهوم الحكومة المدنية التى تعتمد على توازن القوى وتوزيع السلطات. والحق أن هذا كان مفهوم الإنجليز عن الاستقرار، فهو توازن ومحافظة على أملاك كل الطبقات. ومن الناحية الفكرية أراد لوك مواجهة الحماس الزائد الذى يصل إلى حد التهور والملازم لصعود أى طبقة جديدة. وكان يمكن أن تؤدى مواجهة البرجوازية للسلطات الكهنوتية للكنيسة أن تعصف بالدين، ولذلك أراد لوك أن يحافظ على الإيمان وفى نفس الوقت يعبر عن نظرة البورجوازية الفكرية والمتمثلة فى اعتماد العقل حكماً فى كل شئون الحياة والخبرة التجريبية التى وضعها أساساً لفلسفته. وكان يمكن لتجريبية لوك أن تذهب به إلى حد الإطاحة بالأديان من جراء عداء كل مذهب تجريبى للأفكار المسبقة واعتماده على الخبرة التجريبية التى تكبح جماح العاطفة، وأولها العاطفة الإيمانية ؛ لكن تتميز تجريبية لوك بأنها جمعت بين عمل العقل والتجربة من جهة، وعلى الإيمان والوحى من جهة أخرى. وهذا هو جوهر الفرق بينه وبين هيوم، الذى سار على المنهج التجريبى إلى نهاياته المنطقية حيث وضع الإيمان والوحى والمعجزات تحت محكمة العقل ورفض الميتافيزيقا وقيد من سعى العقل المستمر نحو تجاوز الخبرة التجريبية فى اتجاه المثاليات. وهكذا ظهرت فلسفة لوك على أنها تضع للعقل حدوداً مزدوجة، من الخبرة التجريبية ومن الإيمان والوحى.
ومذهب لوك تجريبى لا لأنه يرفض العقل، إذ هو يضع للعقل مكاناً مركزياً فى المعرفة، بل لأنه يقيد العقل بالتجربة، وذلك عكس فلاسفة التيار العقلانى: ديكارت ولايبنتز وسبينوزا، الذى تحرر العقل عندهم من أى تجربة ووصل إلى المثالية. والحقيقة أن لوك عندما يضع الخبرة التجريبية باعتبارها المصدر الأساسى للمعرفة والضابط الأول للعقل فإنما يعبر بذلك عن الخبرة العملية للبرجوازية، ذلك لأن هذه الطبقة هى طبقة رجال التجارة والمال والأعمال والصناعة، الطبقة التى صنعت نفسها وثروتها بالانشغال فى العمليات الاقتصادية الجزئية واليومية، وهى كلها عمليات تنظر إلى العمل وإنتاج هذا العمل على أنه دعامتها الأساسية. إن الخبرة التجريبية فى فلسفة لوك هى التعبير الفلسفى والإبستمولوجى عن الخبرة العملية للبورجوازية، ورفضه للأفكار الفطرية تعبير عن رفضه الاجتماعى والاقتصادى لكل حق موروث لم يأت نتيجة للعمل وبذل الجهد والانغماس فى تفاصيل الحياة اليومية. ولذلك نرى أن وراء نظرية لوك فى المعرفة، ووراء عناصر فلسفته، يكمن موقف اجتماعى معين يعبر عن طبقة صاعدة، البورجوازية، فى مواجهة طبقة أخرى ذات حقوق موروثة، أو فطرية، وهى الأرستقراطية، وهذا هو مغزى تجريبيته ورفضه للأفكار الفطرية.
ثانياً - نظرية المعرفة باعتبارها مدخلاً للفلسفة:
إن الذى حفز لوك نحو إقامة فلسفة جديدة هو انشغاله بالأسئلة الفلسفية التقليدية المتعلقة بالنفس والعالم والألوهية. لكن بدلاً من انطلاقه نحو البحث فى هذه المشكلات بدأ بطريق لم يطرقه قبله معظم الفلاسفة، وهو البحث فى المعرفة الإنسانية(4 ). وكان مبرره فى هذا أن أى آراء حول مشكلات الفلسفة هى نمط من المعرفة، ولذلك فقبل أن نبدأ فى البحث فى المعرفة الإنسانية يجب أولاً البحث فى أداة هذه المعرفة وهى الفهم البشرى. ولهذا السبب يعد لوك أول من نظر إلى البحث فى طبيعة المعرفة الإنسانية على أنه النقطة التى يجب الانطلاق منها قبل البحث فى موضوعات المعرفة ذاتها. وهكذا كان لوك هو أول واضع لمبحث الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة(5 ). والحقيقة أن الإجابة عن مشكلات الفلسفة التقليدية مثل طبيعة النفس والعالم والألوهية والأخلاق لم تشكل عند لوك الأولوية الأولى فى فلسفته وحلت محلها مهمة إقامة نظرية فى المعرفة، حتى أصبحت نظرية المعرفة عنده ذات الأولوية القصوى. صحيح أننا نجد لدى لوك آراء حول الجوهر والسببية والنفس والعالم والألوهية والأخلاق والسياسة، إلا أن آراءه حول هذه الموضوعات كانت نتيجة ثانوية للمبادئ التى وضعها فى صورة نظرية فى المعرفة.
سبق لديكارت أن بحث فى إشكالية المعرفة، لكنه بحث هذا ظل مقيداً بالطابع الميتافيزيقى لفلسفته، إذ شغلته إشكاليات العلاقة بين الفكر والامتداد، والنفس والجسم، وإثبات وجود الأنا أفكر ووجود العالم والألوهية وبساطة وخلود النفس. أما لوك فيتميز عن ديكارت فى أنه
لم يجعل قضية العلاقة بين النفس والجسم تعيقه عن مهمة البحث فى الفهم الإنسانى. بدأ لوك بتناول عناصر الفهم الإنسانى مباشرة، من إدراكات حسية وأفكار وإحساسات وتصورات، دون أن يشغل نفسه كثيراً بالبحث فى فسيولوجيا الذهن ذات الطابع السيكولوجى أو فى الطبيعة العضوية للإدراك الحسى، وكان كل ما يهمه فى المعرفة الإنسانية هو كيفية حدوث المعرفة للفهم البشرى، لا الطبيعة العضوية للتفكير والتى توقع دائماً فى إشكالية الارتباط بين النفس والجسم.
ينقسم كتاب المقال إلى أربعة أجزاء: الأول عن الأفكار الفطرية، والثانى عن الأفكار، والثالث عن الكلمات، والرابع عن المعرفة(6 ). فى الجزء الأول ينتقد لوك الرأى القائل بالأفكار الفطرية بناء على أن الخبرات البشرية متعددة، وأن ما هو فطرى بالنسبة للبعض ليس كذلك بالنسبة للبعض الآخر، وأن أجناساً بشرية مختلفة تعتنق أفكاراً مختلفة وتعتقد فى أنها فطرية، وأن البشرية كلها ليست مجتمعة على القول بأفكار فطرية واحدة. هناك شعوب لا تعتقد فى وجود هذه الأفكار فى الأصل، وهذا دليل على أنه ليس هناك إجماع بشرى عام على أفكار فطرية واحدة، إذ لو كانت هذه الأفكار الفطرية موجودة لكانت كل البشرية تعتقد فيها.
لا ينشغل لوك بفحص الذهن البشرى ذاته من حيث تركيبه العضوى أو من حيث العمليات العقلية التى يقوم بها، بل ينطلق مباشرة نحو فحص عناصر المعرفة فى الذهن البشرى من إحساسات وإدراكات وأفكار وكلمات( 7). وهو يذهب إلى أن لكل الأفكار أصلها فى الحواس باعتبارها المصدر الأول لتلقى الانطباعات والإدراكات. والأفكار عنده هى ما يشكل كل المعرفة الإنسانية، ولذلك ينطلق نحو البحث فى «كيفية حضورها للذهن» ولا يجد سبيلاً تأتى به الأفكار إلى الذهن البشرى
إلا عبر الإدراكات التى مصدرها الحواس. ولأن لوك قد رفض نظرية الأفكار الفطرية فقد ذهب إلى أن كل أفكارنا ترجع إلى الخبرة التجريبية. وعلى الرغم من ذلك فقد تمسك بمعنى واحد فقط للفطرية، فليست الأفكار هى الفطرية عنده بل ملكات الذهن من تذكر وتخيل ودمج بين الأفكار وبعضها، وكذلك الرغبة والإرادة.
يبدأ لوك كتابه بتوضيح الهدف من تأليفه، ويذهب إلى أن الفهم هو الملكة التى تميز الإنسان عن باقى الكائنات الحية، ولذلك فإن البحث فيها له الأولوية القصوى، ذلك لأنه كما أن العين هى وسيلة الإنسان لرؤية الأشياء، فإن الفهم هو وسيلته فى الإدراك والمعرفة( Cool. وقبل أن ينشغل الفيلسوف بإنتاج أى نوع من المعرفة فإن الأولى هو البحث فى الفهم الذى هو أداة المعرفة. وهكذا يفتح لوك مجالاً جديداً للبحث الفلسفى يختلف عن مجالات الفلسفة التقليدية، إذ كان كل مذهب فلسفى سابق يبدأ مباشرة بالبحث فى قضايا الوجود وطبيعة الإنسان ومفهوم الحقيقة وواقعية العالم الخارجى ... إلخ، لكن يتوقف لوك عن وضع قضايا تخص هذه الموضوعات التقليدية كى يبدأ أولاً بالبحث فى أداة المعرفة. وبالتالى فإن المبحث الأول فى الفلسفة عند لوك يجب أن يكون بحثاً فى المعرفة الإنسانية، حدودها ونطاقها وإمكانياتها. وبذهب لوك إلى أن الفهم الإنسانى يشتغل على موضوعاته مباشرة دون ملاحظة نشاطه ذاته، وما يجب البدء به هو وضع هذا الفهم الإنسانى نفسه موضع البحث.
وعلى الرغم من أن هدف البحث عند لوك هو الفهم الإنسانى،
إلا أنه لن يتناوله من منطلق دراسة فسيولوجية لوظائف المخ البشرى، ولن يبحث فى الحواس أو فى كيفية إدراكها للأشياء، بل سينطلق مباشرة إلى الكشف عن مكونات الفهم الإنسانى من أفكار بسيطة وأفكار مركبة، وصفات أولية وصفات ثانوية، والبحث فى كيفية إدراكه لمفاهيم مثل الجوهر والسببية والصفات والأحوال. وسوف يكون منهج لوك فى بحثه هو تتبع أصل الأفكار أو المفاهيم إلى مصادرها الأولى التى هى الإدراكات الحسية. وهدفه من ذلك هو بيان الحدود القصوى التى يمكن أن تصل إليها المعرفة البشرية، والتمييز بذلك بين المعرفة الصادقة ومجرد الرأى والاعتقاد( 9). وإذا وصل لوك إلى نطاق معرفى يتعدى قدرات الفهم الإنسانى فسوف يتوقف عن البحث فيه لأنه يتجاوز هذه القدرات، ويقصد بذلك موضوعات الميتافيزيقا التى لا تخضع للحواس أو الإدراك الحسى وتتجاوز بذلك حدود ما يمكن أن يعرفه الإنسان بوضوح وصدق ويقين. ذلك لأن لوك يعتقد فى أن المعرفة الواضحة هى المعرفة المرتبطة بقدرات الفهم الإنسانى المرتبطة بالإدراك الحسى، أما المعرفة الميتافيزيقية فهى فى نظره غامضة ومشوشة دائماً لأنها لا تعتمد على أى مصدر تجريبى. ويهدف لوك من ذلك إلى إمداد المعرفة بمقياس يستطيع الإنسان به التفريق بين المعرفة الواضحة والمعرفة الغامضة أو المشوشة، والتمييز بين الصدق واليقين من جهة والرأى والاعتقاد من جهة. وما دفع لوك نحو ذلك ما لاحظه من إختلاف المفكرين حول موضوعات المعرفة وعدم قدرتهم على الوصول إلى اليقين فى موضوعات الميتافيزيقا، فأراد فى مواجهة هذا الخلاف الوصول إلى الوضوح واليقين فى المعرفة،
ولم يجد لذلك من سبيل سوى ربط المعرفة الإنسانية بأصولها فى الإدراك الحسى الذى هو عنده يتمتع بالوضوح. وبذلك تكون الأفكار الواضحة عنده هى الأفكار ذات المصدر الحسى والمرتبطة بالإدراك الحسى، والأفكار الغامضة هى تلك التى تتجاوز نطاق الخبرة التجريبية.
ثالثاً - نقد نظرية الأفكار الفطرية :
لا يستقبل الذهن البشرى إلا الإحساسات والإدراكات الحسية والأفكار، أما مفاهيم العلاقة والسببية والجوهر والأعراض والأحوال
فلا يستقبلها الذهن من الخبرة بل يتوصل إليها عن طريق التركيب والدمج بين ما تلقاه من مدركات. وبينما يكون استقبال الذهن للمدركات مجرد تلقٍ سلبى لها، فإن العلاقة والسببية والجوهر والأعراض تعبر عن الدور الفاعل للذهن. الحواس سلبية والذهن إيجابى، الحواس متلقية ومستقبلة والذهن فاعل ونشط( 10). وعلى هذا تكون كل المفاهيم العقلية معبرة عن نشاط الذهن الإنسانى فى التركيب بين المدركات، وتكون كل علاقة منها هى الطريقة الخاصة التى ترتبط بها المدركات فى العقل. فالسببية مثلاً هى ربط الذهن بين حادثة وأخرى تكون الأولى سبباً للثانية، والجوهر هو علاقة بين الصفات وحاملها الذى هو الجسم المادى، وتكون علاقة الجوهر والعرض هى ربط الذهن بين صفات أولية مثل الامتداد والصلابة وصفات ثانوية مثل اللون والرائحة والطعم.
وعلى هذا تتحدد فاعلية الذهن البشرى بما يستقبله من إدراكات، أما هذا الذهن نفسه وبدون مدركات يتلقاها من الحواس فهو مثل الصفحة البيضا tabula rasa الخالية من أى تحديد أو علامات مسبقة موروثة أو فطرية وتأتى الخبرة التجريبية لتكتب عليها ما تشاء. لكن يجب أن ننتبه إلى أن استخدام لوك لتعبير الصفحة البيضاء غير دقيق ولا يتفق مع نظريته فى المعرفة.
لقد ذهب لوك إلى أن الذهن البشرى صفحة بيضاء كى يؤكد على أنه يدخل فى التجربة وهو غير محمل بأى أفكار مسبقة أو فطرية وأن كل ما فى هذا الذهن مصدره التجربة والخبرة التجريبية، لكن هذا التعبير غير صحيح إذا جعلنا نعتقد أن الذهن مجرد متلق سلبى للإدراكات، ذلك لأنه كما رأينا فاعل ونشط، يركب ويدمج بين الإدراكات ليقيم بينها علاقات وكذلك فإن أفعال الذهن هى مصدر لأفكار جديدة غير موجودة فى التجربة. فإذا بحثنا فى مفهوم السببية أو مفهوم القوام أو الجوهر والعرض فلن نجدها حاضرة جاهزة فى التجربة، بل هى نتاج لنشاط الذهن فى التركيب والدمج بين الإدراكات على نحو معين. ليس الذهن صفحة بيضاء لأنه هو نفسه يعد مصدراً لمفاهيم غير موجودة فى التجربة. ولذلك ليست تلك الصفحة بيضاء تماماً، إذ نجد فيها مفاهيم مكتوبة عليها غير موجودة فى التجربة، والذهن نفسه مصدرها، لكن وفى نفس الوقت يذهب لوك إلى أن المفاهيم العقلية المجردة لم تكن لتوجد فى الذهن لولا احتكاكه بالتجربة، إذ لو لم استقبل الذهن البشرى أشياء تكون سبباً لأشياء أخرى،
أو أشياء تكون متغيرة مثل اللون بالنظر إلى الثابت وهو الجسم الممتد لما توصل إلى مفاهيم مثل السببية والجوهر والأعراض.
ويطلق لوك مصطلح «الفكرة» Idea على كل عناصر وموضوعات الفهم، سواء كانت تصورات أو تمثلات حسية أو مقولات أو كليات( 11)، ومبرر لوك فى هذه التسمية الواسعة أن كل هذه المفاهيم هى الموضوعات التى يفكر فيها الفهم الإنسانى. فكل ما يتناوله الفهم بالتفكير ويكون موضوعاً لوظائفه يسميه فكرة. وأول ما يقوم به لوك هو البحث فى مصدر أو أصل الأفكار، ولأن مصدر الأفكار عند لوك هو الإدراك الحسى والخبرة التجريبية فهو يبدأ بنقد النظرية القائلة أن فى العقل البشرى أفكار فطرية يولد بها ويمتلكها من ذاته دون أن يستقيها من أى مصدر خارجى، أى النظرية المعروفة بنظرية الأفكار الفطرية. وأول من قال بهذه النظرية هو أفلاطون، وأبرز من قال بها من المحدثين ديكارت، وفى عصر لوك تم إحياء هذه النظرية فى إنجلترا وخاصة من قبل بعض المفكرين فى جامعة كيمبردج والذين يطلق عليهم اسم «أفلاطونيو كيمبردج»( 12). تنص هذه النظرية على أن فى العقل البشرى أفكار فطرية يولد بها ولا ترجع بأصولها إلى الخبرة التجريبية، مثل كل الأفكار العامة عن الكليات مثل الجنس والنوع والكل والأجزاء والجوهر والسببية، وحتى على المستوى الأخلاقى فهناك اعتقاد فى وجود أفكار أخلاقية فطرية مثل العدالة والفضيلة والسعادة. يبدأ لوك كتابه بتوضيح أن ما تعارف عليه دائماً على أنه أفكار فطرية ليس كذلك بل ترجع هذه الأفكار كلها إلى الخبرة التجريبية.
وينكر لوك وجود أى أفكار فطرية فى العقل البشرى، وطريقته فى نقد النظرية القائلة بالأفكار الفطرية هى أن يوضح:
1 - أن الأفكار التى يعتقد أنها فطرية ليست كذلك بل ترجع إلى الخبرة التجريبية.
2 - أننا قادرين على تكوين معرفة دون الاستعانة بأى أفكار فطرية وبالاعتماد على التجربة والخبرة التجريبية وحدها( 13).
وأول دليل تستند عليه نظرية الأفكار الفطرية هو دليل الإجماع والإتفاق، إذ تذهب هذه النظرية إلى أن كل البشر مجمعون ومتفقون على مجموعة من الأفكار يعتقدون أنها فطرية، مثل أن الشئ الواحد لا يمكن أن يوجد وأن لا يوجد فى نفس الوقت؛ أو بتعبير المناطقة أن أ لا يمكن أن تكون أ ولا أ فى نفس الوقت، وأن المساويان لثالث متساويان وأن الكل أكبر من أجزاءه. ويرد لوك على هذه الحجة بقوله إن هذه الأفكار لا يوجد حولها الإجماع أو الاتفاق المفترض فيها، ذلك لأن الأطفال والمجانين لا يعتقدون فيها، فالطفل يمكن أن يقبل بسهولة وجود الشئ وعدم وجوده فى نفس الوقت، كما أنه لا يعرف أن المتساويان لشئ واحد متساويان بالنسبة لبعضهما. ومعنى هذا أنه إذا كانت هناك أفكار فطرية مطبوعة فى النفس الإنسانية فيجب أن يعرفها الأطفال، أو أن يعرفها الهمج والبرابرة الذين لم ينالوا قسطاً من الحضارة والتمدن. فالطفل لا يمكنه أن يعرف مثل هذه الأفكار إلا بالتعلم ولا يمكن أن يتوصل إليها بنفسه، وكونه لا يتوصل إليها إلا بالتعليم يعنى أنها فى حاجة إلى الخبرة وإلى البرهنة على وجودها، وما يفتقر إلى البرهان والتعلم لا يمكن أن يكون فطرياً.
ويدلل أصحاب نظرية الأفكار الفطرية على صحة نظريتهم بقولهم إن العقل يكتشف الأفكار الفطرية بذاته ودون حاجة إلى أى خبرة تجريبية، ويرد عليهم لوك قائلاً إن اكتشاف العقل لها لا يعد دليلاً على فطريتها، إذ معنى هذا أن النظريات الرياضية فطرية تماماً مثل المسلمات والبديهيات التى تنطلق منها، ومحال أن تكون النظريات الرياضية فطرية، لأننا لا نعرف بالفطرة أن مجموع زوايا المثلث تساوى 180 درجة أو أن المثلث ذو الزاويتين المتساويتين لديه ضلعين متساويين( 14). فعلى الرغم من أن هذه النتائج قد توصلنا إليها بالاستنباط من بديهيات سابقة عليها إلا أنها ليست فطرية، فليس كل ما يكتشفه العقل فطرى، ذلك لأن استخدام العقل ذاته فى البرهان والاستنباط يعد نوعاً من الخبرة المرتبطة بالتجربة. ويؤكد لوك على صحة نقده هذا بقوله إنه إذا كانت الأفكار فطرية فكيف إذن احتاجت إلى البرهان وإعمال العقل لاكتشافها؟ وإذا كانت فطرية فلماذا لم يعرفها العقل مباشرة قبل استخدامه للبرهان؟ إذ معنى هذا هو أن فى العقل أفكار فطرية لا يعرفها قبل اكتشافها فى البرهان، أو القول بأن العقل يعرف ولا يعرف الأفكار الفطرية فى نفس الوقت، وهذا تناقض.
إن اكتشاف العقل للأفكار الفطرية يعد تناقضاً، ذلك لأن استخدام العقل ذاته فى التوصل إليها لا يجعلها فطرية بل يجعلها نتاج استخدام هذا العقل. ولذلك يشرح لوك كيف يتوصل العقل إلى الأفكار العامة من الخبرة التجريبية؛ تبدأ الحواس أولاً فى إمداد العقل ببعض الانطباعات التى يفهمها العقل على أنها أفكار، وعندما يعتاد عليها العقل تصبح محفوظة فى الذاكرة ويضع لها العقل أسماء، ثم يقوم العقل بتجريد هذه الأفكار للوصول إلى العام والمشترك بينها ويضع لها اسماً( 15)، ويكون هذا الاسم فكرة عامة، وعندما يتوصل العقل أو ينتج الأفكار العامة يستخدمها فى تفكيره. ومعنى ذلك أن الأفكار العامة هى نتاج للنشاط التجريدى والتعميمى للعقل وليست فطرية أبداً، لأنها ليست سوى تجريد للأفكار البسيطة التى يتلقاها العقل من الحواس.
ويذهب لوك إلى أن الإجماع على كون بعض الأفكار فطرية لا يقف دليلاً على فطري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bilal

bilal


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 279
تاريخ التسجيل : 19/01/2011
العمر : 39
الموقع : https://unva.forumalgerie.net

جـــون لـــوك Empty
مُساهمةموضوع: رد: جـــون لـــوك   جـــون لـــوك I_icon_minitimeالسبت مارس 05, 2011 3:53 am

شكرا جزيلا أختي آسيا على الموضوع
مزيدا من التألق أختي الفاضلة
تحياتي الخالصة
بـــــلال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://unva.forumalgerie.net
وردة ســـــــASSIAـــوف

وردة ســـــــASSIAـــوف


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 25
تاريخ التسجيل : 12/02/2011

جـــون لـــوك Empty
مُساهمةموضوع: رد: جـــون لـــوك   جـــون لـــوك I_icon_minitimeالسبت مارس 05, 2011 7:09 am

مشكور اخ بلال على قرائتك للموضوع
اتمني انك استفدت منه


cheers cheers cheers cheers cheers
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
bilal

bilal


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 279
تاريخ التسجيل : 19/01/2011
العمر : 39
الموقع : https://unva.forumalgerie.net

جـــون لـــوك Empty
مُساهمةموضوع: رد: جـــون لـــوك   جـــون لـــوك I_icon_minitimeالسبت مارس 05, 2011 12:11 pm

وردة ســـــــASSIAـــوف كتب:
مشكور اخ بلال على قرائتك للموضوع
اتمني انك استفدت منه


cheers cheers cheers cheers cheers

لا شكر على واجب وانا من يجب أن يشكر أختي آسيا
وكيف لم أستفد من الموضوع خصوصا هذه الفكرة
إن
اكتشاف العقل للأفكار الفطرية يعد تناقضاً، ذلك لأن استخدام العقل ذاته فى
التوصل إليها لا يجعلها فطرية بل يجعلها نتاج استخدام هذا العقل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://unva.forumalgerie.net
bboukhari144

bboukhari144


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 32
تاريخ التسجيل : 28/01/2011

جـــون لـــوك Empty
مُساهمةموضوع: رد: جـــون لـــوك   جـــون لـــوك I_icon_minitimeالأحد مارس 06, 2011 12:53 pm

شكرا لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جـــون لـــوك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البحث العلمي :: منتدى العلوم الإجتماعية والإنسانية :: قسم علم الإجتماع-
انتقل الى: