الفصل الثالث
النظريات المفسرة للتغير الاجتماعى والثقافى
1- بذور نظريات التغير الاجتماعى ظهرت فى القرن التاسع عشر ، ولم تنقطع عن التطور ، ولم تقض واحدة على الاخرى ، بإستثناء النظريات الحتمية التى تكاد تكون قد اختفت تقريباً .
2- نظريات التغير الاجتماعى تطورت وازدادت دقة ، وانتقلت من مرحلة التفكير التأملى والتاريخ الظنى الى الاحتكام الى الواقع وحشد البراهين التاريخية الدالة على صحة النظرية .
3- بالرغم من هذا فإن اياً من هذه النظريات لم يتوصل الى كلمة نهائية فى رصد ظواهر التغير وتفسيرها ، ويرجع السبب فى هذا الى ان الواقع الاجتماعى يكشف دائما عن ادلة وبراهين جديدة ، اذا دعمت بعض النظريات فقد تؤدى الى زيف نظريات اخرى .
4- لهذا فان الحديث عن نظرية للتغير الاجتماعى يجب ان يحاط بالحذر ، فى ضوء الحقيقة التى مؤداها ان التاريخ يمكن ان يزيف اى نظرية .
5- هذا لا يعنى التقليل من شأن نظريات التغير الاجتماعى التى ظهرت ، ولكنه يفسر لنا لماذا تعددت هذه النظريات ولماذا اختلفت .
6- المتأمل لتاريخ هذه النظرات يكتشف انها قطعت اشواطا كبيرة فى فهم ظاهرة التغير الاجتماعى . وسوف يتضح لنا من خلال العرض التالى مدى صدق هذه الحقيقة .
نظريات التغير الاجتماعى
اولاً : النظريات الحتمية
هى تلك التى تركز على عامل واحد فحسب ، وتفترض كل نظرية من هذه النظريات ان عاملاً واحداً – كالاقنصاد او المناخ او غيرها – هو العامل الوحيد الذى يحرك كل العوامل الاخرى . توصف هذه النظريات بانها نظريات إختزالية ، اى انها تختزل كل العوامل فى عامل واحد ، وتعتبر ان هذا العامل هو العامل الكافى وحده لحدوث التغير .
من النظريات الحتمية
ا- النظرية الجغرافية :
هناك اعتقاد قديم سائد بان ثمة علاقة بين طبيعة الطقس الذى يعيش فيه الانسان وبين طابعه الاجتماعى . ولقد تأثر المنظرون الاجتماعيون الاوائل بهذا الاعتقاد ، وحاولوا من خلاله ان يميزوا اوجه التشابه والاختلاف بين البشر ، وكانت النتيجة نظرية شاملة فى الحتمية الجغرافية .
بالرغم من ان فكرة الحتمية الجغرافية فكرة قديمة ، الا انها شاعت من خلال استخدام عدد من المفكرين لها فى تفسير نشأة المجتمعات وتغيرها . من اشهر هؤلاء الجغرافى الامريكى ( هنتنجتون 1965) الذى استخدم هذا المفهوم لا فى تفسير تغير الاختلاف بين البشر فحسب ، ولكن فى تفسير تغير المجتمعات . الكتاب ص 120 – 121 .
ب - الحتمية البيولوجية :
تتأسس على فرضية مؤداها ان الناس فى العالم ينقسمون الى اجناس وجماعات متميزة بيولوجيا ً، وان الاجناس تختلف فى قدرتها على تطوير الحياة الاجتماعية وتنميتها ، وان نوعية الحياة لدى شعب من الشعوب هى مؤشر على قدراتها البيولوجية – العرقية . وفى ضوء ذلك تتبلور الفروق بين الشعوب .كما تفسر التغيرات الاجتماعية التى تظهر لدى هذه الشعوب ، سواء التغيرات السلبية ( المرتبطة بالتخلف او التقهقر الحضارى ) ، او التغيرات الايجابية التى تفسر بظهور اشكال من التفوق الكامن فى شعب من الشعوب .
تقوم هذه النظرية على فرضية سادت فى مجتمعات قديمة منذ القدم ، وهى تلك الخاصة بتفوق طبقات داخل المجتمع على طبقات اخرى . وإرتباط هذا التفوق بالخصائص البيولوجية . لعب ( دى جوبيون 1816 – 1882 ) دوراً فى ترويج هذه الفكرة من خلال بحثه عن تفاوت السلالات البشرية الذى ربط فيه بين تفوق شعب من الشعوب او انحطاطه وبين خصائصه العرقية . وشن حرباً على الاشتراكية لمحاولتها خلق نوع من المساواة بين البشر .
من المتغيرات البيولوجية التى يتم التركيز عليها :
1- اثر التفاوت الوراثى على التغير الاجتماعى .
2- اثر التفاوت بين الافراد فى الذكاء والامكانات الجسمية والنفسية . 3- اثر البيئة الصحية على التطور والنمو الاقتصادى .
4- اثر الانتخاب الطبيعى والاصطناعى على الاشكال المختلفة لهرم السكان .
نقد النظرية :
1- انها نظريات اختزالية ذات نظرة احادية .
2- انها نظريات متحيزة تميل الى تبرير افكار بعينها كتفوق شعب من الشعوب او سيطرة شعب من الشعوب على شعب أخر .
3- انها نظريات غير علمية لانها تؤكد سببا واحدا دون تمحيص علمى دقيق فى الاسباب الاخرى .
4- ادت الى كثير من الصراعات بين الشعوب .
5- انها ولدت اشكال من العنصرية السياسية التى يعانى منها عالمنا المعاصر .
ثانياُ : النظريات التطورية
1-انتشرت النظريات التطورية فى القرن التاسع عشر .
2- ظهرت من خلال الاعتقاد بان المجتمعات تسير فى مسار واحد محدد سلفاً عبر مراحل يمكن التعرف عليها .
3- يتفق التطوريون على هذه القضية ، ولكنهم يختلفون حول قضايا ثلاث :
ا- تتصل بمراحل التطور .
ب- حول العامل الرئيسى المحرك للتطور ، افكار ومعتقدات ام تكنولوجيا وعناصر مادية .
ج- تتصل بوجهة التطور ، خطى تقدمى ام مسلك دائرى .
أ - النظريات الخطية :
1- هى نظريات تهتم بالتحولات التقدمية المستمرة او المطردة الموصلة فى النهاية الى هدف محدد ، ويمر المجتمع فى حالة تحوله نحو تحقيق هذا الهدف بمراحل او خطوات ثابتة .
2- هذه الفكرة هى فكرة قديمة ظهرت فى الفلسفة الاغريقية القديمة ، واعيد احياؤها فى عصر التنوير على يد ( فيكو ) الذى حدد مسار المجتمع فى ثلاث مراحل اساسية فى ضوء علاقة الانسان يقوى ما فوق الطبيعة .
3- قويت هذه الفكرة فى القرن التاسع عشر عندما انشغل المفكرون الاجتماعيون بالبحث عن الاصول الاولى لمجتمعاتهم ومحاولة تحديد المرحلة التاريخية التى وصلت اليها هذه المجتمعات .
سار الفكر التطورى فى خطين رئيسين فى محاولة تحديده لمراحل التطور :
1- التركيز على عنصر واحد من عناصر الحياة الاجتماعية او الثقافية وتحديد المراحل الزمنية التى سارت فيها المجتمعات وفقاً لهذا العنصر . مال البعض الى التركيز على الجوانب الاقتصادية ، ومال البعض الآخر الى التركيز على الاسرة كمؤسسة اجتماعية .
2- بدلاً من التركيز على عنصر واحد ، مال بعض التطوريين الى النظر للتطورالكلى فى البناء الاجتماعى او الثقافى . وتحديد المراحل بشكل كلى دون التركيز على عنصر بعينه .
مثال ذلك : نظرية اوجست كونت عن تطور المجتمعات من المرحلة الوضعية. ونظرية ماركس فى التحول من المجتمع المشاعى الى المجتمع الاقطاعى الى المجتمع الرأسمالى الى المجتمع الشيوعى . ونظرية سبنسر عن التحول من المجتمع العسكرى الى المجتمع الصناعى ، ذلك التحول الذى يصاحبه تحول من حالة التجانس المطلق الى حالة اللا تجانس غير المستقر .
وسواء ركزت النظرية على متغير واحد او على المجتمع ككل ، فان التطورية الخطية تتميز بتحديد مراحل تقدمية تسير نحو هدف محدد . يكمن الخلاف بين المفكرين التطوريين فى عنصرين اساسيين : الاول : يرتبط بعدد مراحل التطور . الثانى : يرتبط بطبيعة العامل المحرك للتغير .
اوجست كونت يرى ان الانسانية تسير سيرا تلقائيا تقدميا ، والتقدم فى نظره سير اجتماعى نحو هدف معين ، وهذا السير يخضع لقوانين ضروروية هى التى تحدد بالضبط مداه وسرعته ، ويستدل كونت على خضوع الانسانية لظاهرة التقدم والارتقاء المطرد ، بانها مرت بثلاث مراحل :
1- الحياة الاجتماعية فى العصور القديمة .
2- الحياة الاجتماعية فى القرون الوسطى المسيحية .
3- التنظيم الاجتماعى الذى قام غداة الثورة الفرنسية .
تقرير كونت للمراحل الثلاثة يؤكد فكرته فى التطور الارتقائى ويزيد على ذلك بان الارتقاء واضح فى مظهرين : حالتنا الاجتماعية – طبيعتنا الانسانية . التقدم الاجتماعى فى نظره مظهر من مظاهر التطور العقلى ، وقوانينه مستمدة من قوانين تطور الفكر التى تصور انتقال التفكير الانسانى من المرحلة اللاهوتية الى المرحلة الفلسفية الميتافيزيقية ، ثم الى المرحلة العلمية الوضعية .
هنرى مورجان يفترض ان مراحل التطور التكنولوجى ونظم القرابة ترتبط بمختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية . استنتج ان الثقافة تتطور فى مراحل متتابعة ، وان ترتيب هذه المراحل هو ترتيب حتمى ، وان محتواها محدد لان العمليات العقلية تتشابه بين الناس فى ظل ظروف متشابهة فى المجتمعات المختلفة .
وصف تقدم النوع الانسانى من خلال ثلاث مراحل رئيسية للتطور : المرحلة البدائية : وقسمها الى علي ووسطى ودنيا .
المرحلة البربرية : وقسمها الى عليا ووسطى ودنيا . مرحلة المدنية . ويؤكد مورجان ان كل مرحلة قد بدأت بابتكار تكنولوجى اساسى . ويؤكد ان كل مرحلة من مراحل التطور التكنولوجى ترتبط بعلاقة متبادلة مع تطورات مميزة فى الاسرة والدين والنظام السياسى وتنظيم الملكية .
ب – النظريات الدائرية : يذهب اصحاب هذه النظريات الى ان التغير يتجه صعودا وهبوطا فى تموجات على شكل انصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد ، بحيث يعود المجتمع من حيث بدأ فى دورة معينة . تنقسم النظريات الدائرية الى نوعين :
1- بعضها يفسر جانبا محدودا من جوانب الحياة الاجتماعية او يشرح ظاهرة او نظاما اجتماعيا واحدا .
2- بعضها يهدف الى تفسير المجرى العام للتاريخ ، متناولا جميع الظواهر والنظم والانساق الاجتماعية دون ان يركز على ظاهرة واحدة او نظام بذاته .
من اصحاب النظريات الدائرية : ابن خلدون – فيكو
يرى ابن خلدون ان المجتمع الانسانى كالفرد يمر بمراحل منذ ولادته حتى وفاته . وان للدول اعمار كالاشخاص سواء بسواء ، وعمر الدولة فى العادة ثلاثة اجيال ، والجيل اربعون سنة ، فعمر الدولة إذن 120 سنة ، وفى هذه الاجيال الثلاثة يمر المجتمع بمراحل ثلاث هى :
1- مرحلة النشأة والتكوين وهى مرحلة البداوة .
2- مرحلة النضج والاكتمال وهى مرحلة الملك ، وفيها يتحول المجتمع من البداوة الى الحضارة .
3- مرحلة الهرم والشيخوخة وهى مرحلة الترف والنعيم او الحضارة ، ويبلغ الترف ذروته ، وينتهى الامر بالمجتمع الى الهرم .
المفكر الايطالى ( فيكو ) من ابرز مفكرى القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وقد وضع نظرية دائرية فى تطور المجتمعات ، مؤداها ان المجتمع الانسانى يمر فى ثلاث مراحل هى :
1- المرحلة الدينية او الالهية .
2- المرحلة البطولية .
3- المرحلة الانسانية .
ويؤدى منطق نظريته الى ان الانسانية لا تستقر ولكنها تسير سيرا دائريا . عندما تستقر فترة معينة فى المرحلة الاخيرة ، فانها سرعان ما تعود القهقرى الى المرحلة الاولى ، ولكن بشكل مغاير وبصورة اكثر رقيا ً ، اى ان آخر طور من هذه الاطوار انما يمهد للطور الاول ولكن بشكل ارقى ، لذلك اطلق على نظريته ( قانون النكوص )
يعد ( اوزفالد شبنجلر ) من اشهر اصحاب النظرية الدائرية فى كتابه ( سقوط الغرب او انهيار الغرب ) حيث شبه الحضارات بحياة الكائنات الحية التى تعمر بمرحلة الشباب ، ثم الرشد ، فالشيخوخة المحتومة . وقد درس ( شبنجلر ) سبع حضارات حاول ان يستكشف عوامل صعودها وهبوطها ، وتبين له انها جميعا مرت بمراحل إنشاء ونمو ، ونضج ، ثم انحدار .
يمثل الفيلسوف المعاصر ( ارنولد توينبى ) افضل معرفة لتلك النظريات الدائرية ، ويتضح ذلك فى كتابه ( التاريخ ) الذى حاول فيه البحث عن الاسباب العامة لارتقاء وانحدار الحضارات . يؤكد ان فكرة ( التحدى والاستجابة ) تمثل سبب نقل القوى ، فيرى ان الاستجابات الناجحة للتحديات تنتج عنها عناصر النمو .
وتستمر الحضارات فى النمو طالما استمرت اقليتها المختارة فى استجاباتها الخلاقة المتكافئة مع التحديات الجديدة . اما عملية الانحلال فتبدأ حين تفقد هذه الاقليات ديناميكيتها ولا تستطيع ان تستجيب بشكل خلاق للتحديات الجديدة .
يذهب توينبى الى القول بان الحركة الدائرية تنطبق على كل الحضارات ، وان كان يتميز بعضها بالعقم ، والآخر بالتوقف الى حين . نستخلص من ذلك ان توينبى قد حصر نطاق التغير فى ثلاث احوال اساسية : الاولى : هى حالة التوازن او التكافؤ . الثانية : هى الانتقال الى حالة اللاتوازن . الثالثة : حل الازمة او المشكلة ، اى الانتقال الى حالة جديدة .
درس الفيلسوف 21 حضارة فى مختلف انحاء العالم شرقا وغربا ، وحاول ان يصل الى معرفة القوانين العامة التى تتحكم فى قيامها وتطورها وانحلالها . وقد اجمل طبيعة الانهيار الحضارى فى ثلاث نقاط :
الاولى : اخفاق الطاقة الابداعية فى الاقلية المبدعة ، وعندئذ تتحول تلك الاقلية الى اقلية مسيطرة . الثانية : ترد اغلبية المجتمع على طغيان الاقلية بسحب الولاء لهذه الاقلية وعدم محاكاتها . الثالثة : يستتبع الثقة بين اقلية المجتمع الحاكمة واغلبيته المحكومة ضياع وحدة المجتمع الاجتماعية وانهياره .
يرى ( سوروكن ) ان المجتمعات تتحرك جيئة وذهابا من نمط معين من الحضارة الى آخر ، وتحتاج الكائنات الانسانية فى البداية الى اكتساب المعرفة لكى تسيطر على اتجاه التغير . لكى نفهم ذبذبة التغير الاجتماعى ، يجب على دارسى علم الاجتماع ان يكونوا على إلمام تام بالنماذج المختلفة للمجتمع .
يمدنا ( سوروكن ) بثلاثة انواع للحضارات هى : الحسية – التصورية – المثالية . هذه الانواع الثلاثة توجد فقط كنماذج مثالية ، ولا يوجد فيها نوع خالص .
انماط الثقافة
اولاً :
الثقافة الحسية : توجد عندما تتقبل عقلية الجماهير حقيقة الاشياء وتستطيع ملاحظتها بالاعضاء الحسية ، لذلك تتجه الحضارة الحسية نحو استخدام ( الامبيريقية ) كمصدر للحقيقة .
ثانياً : الثقافة الصورية
عبارة عن احساس روحى ، تعتمد على اتجاه دينى الى حد بعيد .
تعتمد على الدين والوحى كمصادر للحقيقة ، ولا تهتم بالجوانب الامبيريقية .
فإذا كان الشخص الحسى يكتسب المعرفة من الظواهر التى يمكن ملاحظتها ، ولذلك يستطيع ان يعالجها ببراعة ، فان الشخص الصورى هو ببساطة الذى يطابق بين الانماط واحوالها فى مجموعة كلمات ، ويضع تنبؤات خيالية , ويكون ازليا ومطلقا
ثالثاً : الثقافة المثالية مزيجا من الانماط الحسية والصورية
هذا النوع من الثقافة يرتقى فوق النوعين السابقين نظرا لاضافة ( السبب ) كمصدر للحقيقة
رابعاً : الثقافة المختلطة : وهو مركب من الثقافة الحسية والصورية بدون ( سبب ) كمصدر للحقيقة . يجب ان تعتمد هذه الثقافة الى حد ما على الامبيريقية والزهد او التقشف .
يعتقد سوروكين ان هذه المجتمعات ترتد جيئة وذهابا ما بين الحضارة الحسية والصورية ، احيانا ترتفع بدرجات كبيرة ، وتحرز تقريبا الثقافة المثالية ، وفى احيان اخرى تمر بالثقافة المختلطة .
من الواضح ان اصحاب النظريات الدائرية يتفقون على ان التاريخ يعيد نفسه ، وان الخبرات التاريخية للمجتمعات يمكن ان تتكرر ، ولكنهم مع ذلك يختلفون فى رؤيتهم لهذه الحركة الدائرية للمجتمعات . بعضهم يحدد مراحل ثابتة تمر بها كل المجتمعات كما فى نظرية شبنجلر او سوروكين ، بينما يميل البعض الآخر الى الحديث عن دورات يمكن ان تتكرر هنا وهناك دون تحديد مراحل ثابتة كما هو الحال فى نظرية توينبى .
1- انها تفرض مخططا تطوريا ثابتا على كل المجتمعات دون النظر الى واقع هذه المجتمعات وسياق ابنيتها الداخلية .
2- انها تعتبر التطور عملية حتمية .
3- انها تهمل التطور متعدد الخطوط ، فالتطور اما خطى واما دائرى . 4- انها تفترض ان التطور اما ان يكون تقدميا او رجعيا ، وهى بذلك تهمل اشكال التطور الاخرى الوسيطة .
الصور الحديثة التطورية : رغم ان البعض يؤكدون ان التطورية المحدثة قد تخلصت من كثير من مشكلات التطورية الكلاسيكية . لم يعد الفكر التطورى يركز على الحتمية التاريخية . لم يعد يركز على احادية التطور . لم يعد يناظر بين التطور على المستوى البيولوجى ونظيره على المستوى الاجتماعى . بالرغم من ذلك كله ، الا اننا لا نجد خلافا كبيرا بين الفكر التطورى القديم والفكر التطورى المحدث ، بل ان الفكر التطورى – قديمه وحديثه – قد نشأ لتحقيق نفس الهدف ، وهو تأكيد تفوق الحضارة الغربية وتقدمها .
نماذج من الفكر التطورى الحديث : 1- نظرية مراحل النمو : قدمها ( والت روستو ) 1961 ، وتقوم على فرضية مؤداها ان النمو الاقتصادى فى المجتمعات جميعا يمر بمراحل محددة ، وان الفرق بين مجتمع وآخر هو فى الدرجة التى قطعها المجتمع على طريق النمو الاقتصادى . حدد روستو مراحل النمو بخمس مراحل وهى : مرحلة المجتمع التقليدى – مرحلة شروط التهبؤ للانطلاق – مرحلة الانطلاق – مرحلة الاتجاه نحو النضج – مرحلة الاستهلاك الوفير .
2- نظرية الالتقاء او التقارب : قدم هذه النظرية كلارك كير وزملاؤه 1960 ، وتفترض ان العالم قد دخل الى مرحلة جديدة وهى مرحلة التصنيع الكامل ، ولا شك ان هناك من الافكار ما يقترب من هذه المرحلة ، وبعضها الآخر ما يزال بعيدا عنها ، وللتصنيع خاصية جوهرية هى انه يجعل المجتمعات متشابهة ويخلق نظما متشابهة . ولقد وصلت المجتمعات الصناعية الى هذا التشابه الذى يشكل مستقبل المجتمعات غير الصناعية . ويقوم هذا التشابه على المظاهر التالية :
1- الانتاج الواسع النطاق .
2- الحراك الاجتماعى الرأسى والافقى .
3- تطور التعليم وتفرعه .
4- التحضر وزيادة عدد السكان .
5- تحقيق درجة من الانفاق على القيم .
6- نمو الاعتماد المتبادل وتناقص فرص قيام الحرب .
3- نظرية نهاية التاريخ :
من احدث نظريات التطور ، قدمها المفكر الامريكى ( فرنسيس فوكوياما ) 1989 م بعد سقوط الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى ودول اوروبا الشرقية . تتأسس هذه النظرية على آراء هيجل التطورية التى تنظر الى التطور على انه انطلاق نحو الكمال ، العقل الكامل ، الدولة الكاملة والقيم المطلقة ، انه تطور نحو المطلق يختمه قانون الجدل ويسعى به الى افضل الصور واكملها .
لقد اعتمد فوكوياما على فكرة هيجل حول : الرغبة فى الاعتراف والتقدير . والتى اعتبرها هيجل فكرة محركة للتاريخ . ينظر فوكوياما الى الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ، والتى تمثلها امريكا ، على انها الغت فكرة العلاقة بين السادة والعبيد ، والتى كانت موجودة بشكل او بآخر فى النظم السياسية الاخرى .
كانت هذه النظم تنشغل بالبحث عن الاعتراف ، الذى يتمثل فى صورته الملموسة فى النزاع بين شخصين متحاربين . ان هذه الرغبة فى الاعتراف هى التى تجعل ايا منهما يموت استسلاما للآخر ، وهى التى تجعل النظم السياسية تتأسس على علاقات تسلطية ، وهى التى تجعل دولا تسيطر على دول اخرى وتقيم امبراطوريات .
لقد ظل الامر هكذا طوال البشرية ، طالما ان الرغبة فى انتزاع الاعتراف تتأسس على اسس لاعقلانية . اما الليبرالية الديمقراطية – التى ظهرت بعد الثورة الفرنسية والثورة الامريكية – فقد بدلت الرغبة غير العقلانية فى الاعتراف بالدولة او الفرد ، واحلت محلها رغبة عقلانية فى الاعتراف بالدولة او الفرد ، على اساس من المساواة .
ويعنى ذلك ان الليبرالية الديمقراطية قد حلت معضلة الصراع التاريخى من خلال قيمة المساواة . وهى بذلك تكون قد اوقفت التاريخ عن الحركة ، فهى إذن نهاية التاريخ وسوف تتطور نفس المجتمعات لتصل الى نفس هذه النهاية . وليس ثمة مجال آخر للتطور بعد الديمقراطية الليبرالية التى تحقق للفرد ذاته وكماله وتخلق اطارا من المساواة ، وتختفى فيه السيطرة الامبيريالية .
ثالثا : النظريات البنائية – الوظيفية
1- شجبت الوظيفية فكرة فهم المجتمع فى ضوء تاريخه .
2- شجبت فكرة مراحل التطور .
3- حاولت الوظيفية ان تفهم المجتمع فى ضوء ظروفه المعاصرة ، وفى ضوء العلاقات المتبادلة بين مكوناته . تعتمد النظرية البنائية الوظيفية فى تحليلاتها على مفهومين رئيسين هما :
مفهوم البناء ومفهوم الوظيفة
يشير مفهوم البناء الى العلاقات المستمرة الثابتة بين الوحدات الاجتماعية
يشير مفهوم الوظيفة الى النتائج او الآثار المترتبة على النشاط الاجتماعى .
البناء يكشف عن الجوانب الهيكلية الثابتة . تشير الوظيفة الى الجوانب الدينامية داخل البناء الاجتماعى ، والذى امكن من خلاله تحليل الجوانب الهيكلية والجوانب الدينامية الوظيفية .
المجتمع نسق يتكون من مجموعة من الانساق الفرعية يؤدى كل منها وظيفة محددة
1- ظهرت الوظيفية عبر تراث طويل امتد من القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر .
2- ساهم فيها عدد كبير من العلماء ، لذلك تعددت صورها وتباينت الاسهامات النظرية فيها .
3- تحليل التغير الاجتماعى من وجهة نظر الوظيفية ، يتطلب التوقف عند بعض صور الوظيفية والتى ظهرت بدءا من القرن التاسع عشر وحتى الآن .
4- بالرغم من وجود ضروب من الاتفاق بين هذه الصور ، الا ان ثمة اختلاف بينهما ، وهو اختلاف نابع من طبيعة الظرف التاريخى الذى ظهرت فيه كل صورة من هذه الصور . هناك وظيفة القرن19 ،والتى تأسست من خلال اعمال سبنسر ودور كايم وباريتو ، ولفيف من علماء الانثربولوجيا
وهناك وظيفة القرن 20 والتى اسسها تالكوت بارسونز . وهناك اخيرا نظرية التنمية الوظيفية التى طورها تلاميذ للوظيفيين الاوائل والمحدثين ، فى محاولاتهم لفهم طبيعة التغير الاجتماعى فى المجتمعات النامية . وسوف نحاول ان نلقى نظرة سريعة على صورة من هذه الصور .
1- الوظيفية الكلاسيكية : تنظر الى التغير الاجتماعى باعتباره تغيرا توازنيا تدريجيا لا يؤدى الى هدم البناء الاجتماعى او تبديله ، وانما يؤدى الى استمراره فى حالة متكاملة ومتوازنة . التغير الاجتماعى يظهر فى شكل اضافات فى الحجم وتباين فى المكونات ، يصاحبه دائما عمليات للتكامل والتوازن .
نظرة سريعة على اسهامين من اسهامات الوظيفية الكلاسيكية : يتغير المجتمع من وجهة نظر هربرت سبنسر فى ضوء نفس القوانين التى يتحول بها عالم المادة التى تتحول من حالة اللاتجانس واللاتحدد الى حالة التجانس والتحدد والانتظام . المجتمع يشبه فى تكوينه الكائن العضوى . عندما ينمو المجتمع تتباين مكوناته وتصبح غير متشابهة ، وهنا يظهر ضرب من التباين البنائى .
هذه التباين لا يفقد المجتمع تكامله لانه يطور اشكال جديدة لتكامل اجزائه المتباينة . المجتمعات تبدأ بسيطة ، وتتحول بالتدريج الى مجتمعات مركبة ، ويتحول المركب الى مركب المركب . الى ان يظهر المجتمع الصناعى الذى يتميز بتباينه وعدم تجانسه الشديدين . المجتمع البسيط يطلق عليه ( المجتمع العسكرى ) يؤسس على القهر والتعاون الاجبارى . المجتمع الصناعى يؤسس تكامله على التعاون الاختيارى .
اميل دور كايم قدم نظرية فى التغير الاجتماعى تشبه الى حد كبير نظرية سبنسر ، دون التزام بالمماثلة العضوية ، او تشبيه التغير فى المجتمع بالتغيرات فى عالم المادة او عالم الكائنات الحية . انطلق من منظور وظيفى يتأسس على فكرتى التباين والتضامن ، ويتضح ذلك من العلاقة التى اقامها بين مفهوم تقسيم العمل ومفهوم التضامن الاجتماعى .
تقسم العمل تصاحبه ضرورة مختلفة من التباين الاجتماعى تتمثل فى زيادة السكان وزيادة الكثافة الاخلاقية ، هذه التباينات هى التى تجعل العمل ضرورة . المجتمعات إذن فى تغيرها تميل الى ان تتباين فى مكوناتها ، بل ان حدوث اشكال من التباين يؤدى الى زيادة الكثافة الاخلاقية ( تنوع القيم والاتجاهات والميول والمعتقدات ) ، وهذه بدورها تؤدى الى تقسيم العمل . وهكذا... تحول المجتمعات منضبط بقواعد ومعايير قانونية ، من هنا يأتى مفهوم ( التضامن ) .
المجتمعات البسيطة ، هى مجتمعات بسيطة غير متباينة ولا يوجد فيها تقسيم عمل ، يكون تضامنها وتكاملها من خلال ( القانون القهرى ) . المجتمعات الحديثة ، هى مجتمعات متباينة وفيها اشكال من تقسيم العمل ، يكون تضامنها من خلال القانون المدنى او التعويضى .
المجتمعات عند دور كايم تتحول من البسيطة ( غير متباينة ، ولا يوجد فيها تقسيم للعمل ) الى مجتمعات حديثة ( متباينة وفيها تقسيم للعمل ) . اطلق على الاولى مجتمعات التضامن الآلى ، واطلق على النوع الثانى مجتمعات التضامن العضوى .
2- نظرية التوازن الدينامى : يعد عالم الاجتماع الامريكى ( تالكوت بارسونز ) اشهر من طّور الافكار الوظيفية فى هذا الاتجاه . ان المجتمع عند بارسونز هو احد الانساق الاساسية للفعل التى حددها بارسونز فى اربعة انساق : النسق العضوى – نسق الشخصية – المجتمع – الثقافة
المجتمع بدوره ينقسم من الداخل الى اربعة انساق فرعية هى : الاقتصاد – السياسة – الروابط المجتمعية – نظم التنشئة الاجتماعية . المجتمع كنسق يعيش فى حالة توازن من الداخل حيث يحقق انساق علاقات منتظمة ومتوازنة . عندما يتعرض المجتمع لحالة تغير ، فانه لا يفقد توازنه ، فهذا التوازن دينامى ومستمر ، لذلك فانه يمكن للمجتمع دائما من ان يتكيف مع التغيرات الجديدة ، ويدمجها داخل بنائه .
عند بارسونز نوعان من التغير : 1- التغيرات قصيرة المدى :هى تغيرات تظهر داخل المجتمع نتيجة عوامل داخلية ( من داخل المجتمع كالتوترات التى تفرض اتجاها للتغير مثل تلك الناتجة عن ظهور الاختراعات والافكار الجديدة ) . او عوامل خارجية ( تظهر فى اى نسق من الانساق التى تشكل بيئة المجتمع كتغير اساليب استغلال الطبيعة ، او الحروب ) .
ان هذه التغيرات تحدث تأثيرا على حالة التوازن التى ينتظم فيها المجتمع . انها تكسر التوازن او تهدده من جراء ما تخلفه من توترات فى بناء العلاقات الداخلية بين مكونات النسق الاجتماعى . إذا استمرت هذه التغيرات ، فقد تؤدى الى القضاء على المجتمع او الى إحداث تغيرات بنائية عامة فيه ( كما يحدث فى حالة الثورات ) ، ولكن هذا لا يحدث الا فى ظروف نادرة . لماذا ؟ لان المجتمعات لديها قدرة تكيفية داخلية ناتجة من حالة التوازن الدينامى التى يتميز بها المجتمع .
عندما تحدث التوترات والضغوط المولدة للتغير داخل المجتمع ، فانها تؤثر على حالة التوازن ، ولكن المجتمع ما يلبث ان يمتص هذه التوترات والضغوط ويستعيد توازنه ويظل محتفظاً بهذه الحالة من التوازن ، حتى تظهر توترات اخرى ، وهكذا يوصف التوازن بانه دينامى . اى مستمر قابل لان يستوعب كل ماهو جديد . وان يعيد تكيف النسق معه بحيث تظهر التغيرات فى اضيق الحدود .
وتتصف التغيرات قصيرة المدى داخل النسق الاجتماعى بعدة خصائص : أ – تدريجية لا تؤدى الى انهيار النسق او تغيره بشكل جذرى ب- ترتبط بعمليتين ملازمتين هما التوازن واللاتوازن . تعتبر الاولى دائمة . والثانية عملية عارضة .
ج- جوهر التغير هو التغير البنائى الوظيفى . د- الاتفاق العام على القيم وادوات الضبط هما اللذان يحفظان للنسق الاجتماعى توازنه الدائم .
2- التغيرات بعيدة المدى : اى تغيرات واسعة النطاق تحدث على فترات متباعدة . فسر بارسونز هذه التغيرات من خلال مفهوم العموميات التطورية . يقصد بالعمومية التطورية : التجديد البنائى الذى له قدرة على الاستمرار والبقاء ، ويخلق بدوره تجديدات وتطويرات اخرى ، انهاتخلق ضربا من الانكسار فى البناء القائم ، وتدفعه الى آفاق جديدة من التغير .
هذه العموميات التطورية هى التى خلقت كل التحولات بعيدة المدى فى تطور المجتمعات ، فظهور نسق الشرعية الثقافية وظهور نسق التدرج الاجتماعى ، قد ادى الى ان تتحول المجتمعات البدائية الى مجتمعات وسيطة . كما ان ظهور النقود والاسواق والقانون هو الذى ادى الى تحول المجتمعات الوسيطة الى مجتمعات حديثة .
عندما تظهر العمومية التطورية ، تخلق تبايناً اجتماعياً واسع النطاق ، وتحولات بنائية ملموسة ، ولكن هذا التباين لا بد وان يقابله عمليات تكامل تضبط هذا التحول وتقوده ، الى ان يصبح هذا التحول الذى خلقته العمومية التطورية تحولاً عاماً او طبيعياً . استخدم بارسونز هذا التحليل لرصد حركة التطور فى المجتمعات الحديثة عبر تطورها من المرحلة البدائية الى المرحلة الوسيطة الى المرحلة الحديثة .
ج- نظرية التحديث الوظيفية : اى يحدث التغير الاجتماعى فى الابنية التقليدية ( التى تقع خارج نطاق المجتمعات الصناعية الحديثة ) من خلال عوامل خارجية ناتجة عن عملية اتصالها بمصدر الثقافة الحديثة الغربية ، فالاتصال الثقافى بالحضارة الغربية يؤدى الى نشر الثقافة الحديثة فى شكل دوائر تتسع باستمرار الى ان تشمل قطاعات المجتمع باسره . وتقاس التقليدية هنا بدرجة سكون البناء الاجتماعى ، وتجانسه ، وانخفاض مستوى التكنولوجيا ، وانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومى .
عندما يحدث هذا الاتصال تبدأ الثقافة التقليدية فى الخروج من جمودها وتشهد عمليات تباين واسعة النطاق تؤدى الى تغيرها لكى تقترب من النموذج المثالى فى المجتمعات الغربية . ويطلق على هذه العملية ( عملية التنمية او التحديث ) ، وهى عملية تتمثل فى اكتساب واستيعاب المجتمعات النامية لقيم العمومية والانجاز والتخصص ، وهى القيم التى تتأسس عليها الثقافة الحديثة .
ان التغير الاجتماعى المرتبط بعمليتى التنمية والتحديث ليس تغيرا جذريا ، بل هو تغير تدريجى ( خطى وتقدمى ) يتم بقتضاه تحول الابنية التقليدية الى ابنية حديثة . ويفرز التغير اثناء حدوثه بعض المشكلات كالتناقض بين القديم والجديد ، وحدوث ( الهوة الثقافية ) .الكتاب كل هذه التوترات تكون طبيعية وسوف تختفى بالتدريج مع الاتساع فى عملية التغير على اختلاف بين المجتمعات فى درجة الاستيعاب لهذه التناقضات والتغلب عليها .
وكلما كان المجتمع اكثر قدرة على التكيف الداخلى والمرونة ، كان اكثر قدرة على التغلب على مشكلات التحول . من الواضح ان نظرية التحديث تميل ميلا وظيفيا شديدا ، فتقترض وجود تغيرات تدريجية ترتبط بعمليات التباين والتكامل . كما تفترض ان خبرة التغير فى المجتمعات الغربية يمكن ان تتكرر فى المجتمعات النامية .
رابعا: النظريات المادية التاريخية
إذا كانت النظرية الوظيفية تركز على التغير التدريجى التوازنى ، فان المادية التاريخية تركز على التغيرات الثورية التى تنقل المجتمع من حالة الى حالة مناقضة . وإذا كانت الوظيفية تركز على التكامل والاتفاق ، فان المادية التاريخية تركز على الصراع والتناقض . الصراع هو المحرك الاساسى للمجتمع ، وتاريخ المجتمعات هو فى التحليل الاخير تاريخ الصراع بين الطبقات . ترجع الصياغات الاساسية للنظرية المادية التاريخية الى اسهامات كارل ماركس .
ظلت هذه الصياغات تتطور بالحذف او الاضافة حتى يومنا هذا . ومثلما حدث فى النظرية الوظيفية ، فان كثيرا من القضايا المادية التاريخية واساليبها التحليلية قد استخدمت فى تفسير عمليات التغير فى العالم الثالث . فى ضوء هذا نلقى نظرة سريعة على صورتين من صور التحليل المادى التاريخى للتغير الاجتماعى . الاولى : الصورة الماركسية الكلاسيكية . الثانية : الصورة المرتبطة بتحليل التغير الاجتماعى فى العالم الثالث فيما سمى بنظرية النمو المتكافىء او نظرية النسق الرأسمالى العالمى .
1- النظرية الماركسية : تنظر الماركسية الى الحياة الاجتماعية على انها دائبة الحركة ، وتمثل حركتها شكلا خاصا من اشكال حركة المادة . انها تحتوى فى داخلها على دوافع التغير وتنطبق عليها نفس قوانين حركة المادة . الماركسية هى نظرية للتغير الاجتماعى ، ومفهوم التغير يعد مفهوما محوريا فيها .
يتأسس المجتمع على اساس اقتصادى ينحصر فى علاقات الانتاج وانماط الانتاج السائدة فى المرحلة التاريخية ، والاقتصاد يشكل كل عناصر البناء الاجتماعى الاخرى والتى اطلق عليها ماركس البناء الفوقى كالقانون والدولة والاسرة والثقافة . يحدث التغير الاجتماعى كانعكاس للتغير الذى يطرأ على اساس المجتمع الاقتصادى او بنيته التحتية .
فى مرحلة من مراحل تطورها تدخل القوى الانتاجية فى المجتمع فى تناقض مع علاقات الانتاج السائدة . اى ان علاقات الانتاج تصبح غير ملائمة للتطورات التى تحدث فى قوى الانتاج ، ولذلك فلا بد ان تتغير علاقات الانتاج ، وان تتغير معها كل عناصر البناء الفوقى لتدعم هذا التغير الجديد وتحميه .
هنا تحدث الثورة التى تنقل المجتمع من مرحلة الى مرحلة . ويشهد المجتمع فى كل مرحلة من مراحل تطوره طبقتين متعارضتين : واحدة تمتلك قوى الانتاج – والاخرى تشغل هذه القوى وتولد فائضا يعود على الطبقة المالكة . ويؤدى التحول من مرحلة الى مرحلة الى ظهور تغير فى التركيب الطبقى من خلال ظهور طبقة جديدة تقود ثورة التغير ، لتصبح هى الطبقة المالكة او المهيمنة فى المرحلة الجديدة .
ميز ماركس فى تاريخ المجتمعات بين خمس مراحل تبدأ : المرحلة البدائية – مرحلة الانتاج الآسيوى –المرحلة الاقطاعية – المرحلة الرأسمالية – المرحلة الشيوعية . تتميز كل مرحلة بوجود نمط انتاجى معين ، ووجود طبقتين متعارضتين ( فيما عدا المرحلة البدائية والشيوعية حيث يفترض خلوهما من الطبقات والملكية الخاصة ) . ينظر ماركس الى الصراع الطبقى على انه حالة طبيعية فى المجتمعات ، بل هو المحرك الرئيسى للتاريخ .
فإذا كان التناقض الاجتماعى بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج هو الذى يحرك البناء نحو التغير ، فان الصراع الطبقى ينجز هذه المهمة . والمجتمعات لا تتغير الا بوعى افرادها .ومهمة التغير تقع على كاهل طبقة معينة . فالطبقة البرجوازية هى التى قادت التغير من الاقطاعى الى الرأسمالى . ويفترض ماركس ان الطبقة العاملة هى التى ستقود التحول الى الشيوعية .
2- نظرية التنمية التابعة : ترتبط هذه النظرية بتوصيف التغير الاجتماعى فى دول العالم الثالث . هى تختلف عن النظرية الوظيفية . فإذا كانت نظرية التحديث الوظيفية ترى ان التحول فى دول العالم الثالث يسير بشكل منتظم نحو تحقيق النموذج المثالى للمجتمعات الغربية ، فان انصار نظرية النسق الرأسمالى يرون – خلافا لذلك – ان حركة التغير فى مجتمعات العالم الثالث تسير نحو مزيد من التخلف ، وانه إذا تحقق فيها جوانب التنمية فانها تظل تنمية تابعة غير مستقلة .
ان البناء الاجتماعى فى دول العالم الثالث هو بناء متخلف تابع محكوم بنمط معين لتقسيم العمل الدولى . وقد اكتسب هذا البناء المتخلف خصائصه من خلال العلاقات التاريخية التى دخل فيها مع الرأسمالية العالمية . لم تؤد هذه العلاقات الى تحويل الابنية التقليدية الى ابنية حديثة ، ولكن جعلتها خاضعة لخدمة مصالحها ، وحولتها الى ابنية تابعة متخلفة . نتج التخلف هنا من خلال امتصاص الفائض من هذه المجتمعات ونقله الى مراكز النظام الرأسمالى العالمى .
فى ضوء هذه الرؤية ، فان تحليل عمليات التغير الاجتماعى فى دول العالم الثالث ، لا بد وان يتم فى ضوء تحليل ظهور النظام الرأسمالى وتطوره عبر الزمن . وتحليل القوانين التى عمل على ضوئها هذا النظام . ظهر هذا النظام من خلال التوسع الرأسمالى الذى اخضع النظم غير الرأسمالية لسيطرته الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، وبذلك اصبحت العلاقات داخل هذا النظام علاقات غير متكافئة وتخضع لما يطلق عليه ( التبادل اللامتكافىء) والذى يعنى احتكار التبادل والسيطرة عليه بواسطة الدول الرأسمالية القوية ، وكذلك احتكار الانتاج .
الامرالذى يجعل الدول المتخلفة عاجزة عن ان تدخل فى علاقات تبادل فى موقف خاص . هذا التبادل غير المتكافىء قد حول العالم الى دول متخلفة ودول غنية متقدمة ترتبط بنظام لتقسيم العمل الدولى تقوم فيه كل وحدة من وحدات النظام بدور اقتصادى وسياسي معين .
1- الطبقة البرجوازية العالمية تتحالف مع البرجوازية المحلية لتسهيل عملية نقل الفائض وتدعيم شبكة العلاقات غير المتكافئة .
2-اجهزة الدولة تعمل على خلق الاطر الدستورية والقانونية التى تعمل فى اطارها هذه العلا قات .
3- تعمل الثقافة والايديولوجيا على خلق الإطار الفكري العام الذي تعمل في ضوئه هذه العلاقات .
النتيجة المنطقية لكل هذا إن ينتج في دول العالم الثالث نمط خاص من التغير يصفه البعض بأنه ( تنمية تابعة أو تنمية رثه ). الخ.ء هذا النمط من التغير ، تفهم كل الظواهر والمشكلات التي تتكشف في دول العالم الثالث إثناء تحولها مثل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ، والصراعات العرقية والإيديولوجية والديون ........الخ . إن هذه المشكلات هي من منتجات هذا التغير التابع أو هذه التنمية التابعة.
خامساً : النظريات السيكولوجية – الاجتماعية
تركز على دور الفرد في التغير الاجتماعى ، وعلى دور الأفكار التي يحملها الإفراد في تغير أنماط الحياة ومسارها . تتأسس على فرضية إن التغيرالذى يصيب المجتمع يحدث أساسا في الإفراد ، فالإفراد هم الذين يغيرون وهم الذين يتغيرون ، ولهذا فان هناك مكانا للعوامل النفسية في حركة التغير الاجتماعي .
العوامل النفسية ضرورية لتخلق دينامية التغير الاجتماعي . العوامل النفسية تدفع المجتمع إلى الحركة . العوامل النفسية تخلق الإفراد ذوى القدرات الخاصة. العوامل تدفع إفراد المجتمع إلى الخلق والابتكار. تبلور هذا الاتجاه من خلال أعمال ( ماكس فيبر ) وتطور فيما بعد إلى صياغات حديثة كالتالي :
1- الدور التغيري للأفكار : نظرية فيبر ظهرت أهمية الأفكار في إحداث التغير الاجتماعي من خلال دراسة ماكس فيبر عن الأخلاق البروتستينية وروح الرأسمالية .
2- نظرية الشخصية المحددة : إيفرت هاجن ركز هاجن على دور المجددين في إحداث التغير الاجتماعي . يفترض إن ثمة علاقة قوية بين طبيعة البناء الاجتماعي وبين نمط الشخصية، بحيث يمكن القول إن البناء الاجتماعي لن يتغير إلا إذا تغيرت الشخصية. والتغير يرتبط بعوامل نفسية ، اى يخلق أنماط الشخصية القادرة على التجديد . تتسم هذه الشخصية بالابتكارية والفضول والانفتاح على الخبرة وتسعى إلى ابتكار الحلول الجديدة ولأتقبل ماهو قائم منها .وتكون قادرة على حل المشكلات .....الخ
3- نظرية المجتمع المنجز : ديفيد ما كليل ند مثل هاجن ، مال ميلا سيكولوجيا في تحليله لعملية التغير في المجتمعات التقليدية ، وكانت نقطة الارتكاز عنده هي الدافعية للانجاز . فهو المحرك الاساسى لعملية التغيرالاجتماعى . لقد أكد على إن عملية التنمية الاقتصادية – سواء في المجتمعات القديمة أو الحديثة – تظهر دائما بناء على ظهور متغير سابق عليها الحاجة إلى الانجاز . ويقصد بها القدرة على إلا نجاز الاقتصادي الفردي الذي ينتج النمو الاقتصادي.
ومن مقاييس الدافعية للانجاز : تراكم النقود – تفضيل الإعمال الصعبة – تفضيل الدخول في المخاطرات المحسوبة – وجود نشاط تجديدى خلاق – وجود قدر من تحمل المسؤولية – ميل نحو تخطيط الأفعال الفردية . فإذا أردنا إن نعرف حجم التغير في مجتمع ، فان علينا أن نتعرف على وجود حجم الدافعية للانجاز بين أفراده ، وذلك من خلال قياسها عبر المؤشرات الدالة عليها .
افترض إن المجتمعات التي تفتقد دوافع الانجاز ، عليها أن تركز على عمليات التنشئة الاجتماعية لكي تخلق الإفراد القادرين على تحمل المسؤولية ، وعلى مواصلة تحقيق الأهداف بقدر كبير من المثابرة والانجاز . انتقدت هذه النظرية لإسرافها في إبراز العوامل النفسية والدافعية للانجاز على أنها هي المحرك للنمو الاقتصادي . لذلك عدل في النظرية ليركز لا على التنشئة الاجتماعية فقط، ولكن على التدريب وتغيير الاتجاهات.
1- النظريات التطورية: تشتمل هذه النظريات بوجه عام – كمدخل تفسيري وتحليلي للتغير الثقافي – على فكرتين: أ- التغير الثقافي يحدث بمعدلات أكثر تباطؤاً. ب- التغير الثقافي يسير بالضرورة في مجموعة من المراحل التعاقبية .
الفكرة الأول يعبر عنها ( سمنر ) في كتابه ( الطرائق الشعبية ) ، ويقدم ( وليم اوجبرن) بعض التعديلات فيها . انظري الكتاب ص 154- 155. الفكرة الثانية قدم لها ( أوجست كونت ) و(سير هنري مين ) و(سبنسر)و ( دوركايم) ص156 . نقد النظرية ص157
2- النظريات الشرطية : القضية الأساسية ليست هي اكتشاف الاتجاه العام للتطور الثقافي ، بل هي تحديد الوزن النسبي لعوامل التغير المختلفة في مجال أحداث هذه التغيرات . عرفت هذه النظريات ”الحتمية“ لأنها تحدد عاملا واحدا بعينه دون غيره. من إشكال هذه الحتميات: الحتمية الاقتصادية – الحتمية التكنولوجية. وتواجه هذه النظريات صعوبات منهجية تتعلق بحدود التفسيرالعلمى للظواهر الاجتماعية والثقافية . ص158
وإزاء هذه الصعوبات تقدم نظريات ( العوامل المتعددة ) مدخلا لتفسير التغير الثقافي يتعارض مع مدخل النظريات الحتمية يعترف بتعقد التفسير العلمي للتغير الثقافي ويؤكد أن : 1- التغير الثقافي ينبثق عن عدد كبير من المصادر ولا يرجع إلى عامل واحد بعينه. 2- التغير يعتمد على عدد متنوع من المصادر .
يميل العلماء في الوقت الحاضر إلى رفض النظريات الحتمية والنظريات التطورية . يميل التفسير السوسيولوجي اليوم إلى الاتجاه نحو ”بناء للتفسير اقل تعقيدا ” حيث يهتم بالبحث عن عوامل التغير التي إن وجدت ، ارتبط بها عدد من التغيرات الثقافية . ص161